Back

كتاب: الحركة الدوناتية بين الانشقاق الديني والتحرر 305-411م

ملخص كتاب: الحركة الدوناتية بين الانشقاق الديني والتحرر 305-411م

المؤلف: عبدالحميد عمران.. أستاذ التعليم العالي قسم التاريخ

التخصص: تاريخ قديم

كلية العلوم الانسانية والاجتماعية

جامعة محمد بوضياف المسيلة

الصادر عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف 2015 في اطار تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة الاسلامية

خلال القرن الثاني للميلاد بدأت المسيحية تتوغل في المنطقة وتحوز مكانا لها بين الأهالي في التجمعات الحضرية الكبرى وصارت بمثابة المُعبر عن طموحات الأهالي والطبقات المسحوقة بما حملته من تسامح وعدالة وتضامن بين الفئات المتنصرة ، في الوقت  الذي كانت فيه الديانة الرسمية تتمثل في عبادة الإمبراطور. ما جعل السلطة تمارس حركة اضطهاد للفئات المتنصرة، لأنها عدت مارقة وخارجة على قوانين الإمبراطورية، وبلغت تلك الاضطهادات أوجها بعد أوامر الإمبراطوردقلديانوس  (Doclitianus) سنة 305 م .

ومع بداية حكم الإمبراطور قسطنطين ( Contantinus)  سنة 312م تم تبني سياسة التسامح الديني، وبدأت الطبقة الحاكمة والغنية تتنصر ، ثم تم تبني المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية.

وفي هذه الظروف ظهرت الحركة الدوناتية (Donatistum) كحركة دينية في بداية القرن الرابع  للميلاد، بعد انشقاقها عن الكنيسة الرسمية التي أصبحت تابعة للسلطة الزمنية.

وإن كانت هذه الحركة قد ظهرت بعد تعيين مطران قرطاج “كاسيليانوس” (Caecilianus) كأسقف لقرطاج، واتهامه من قبل خصومه بالردة والخيانة، والتعاون مع السلطة أثناء فترة الاضطهاد الممارس ضد المسيحيين.

وتزعم هذه الحركة المناوئة للأسقف الجديد، ولمسعى السلطة الزمنية في احتواء المسيحيين الأسقف “دوناتوس” (Donatus)، كحركة رافضة لتعيين “كاسيليانوس”  الذي أنتخب  بطريقة غير شرعية – حسب أتباع دوناتوس – ثم تحولت إلى حركة منشقة لما تدخلت السلطة في النزاع وميلها الواضح إلى إقرار شرعية انتخاب الأسقف الجديد مما عدّه الدوناتيون تدخلا في شؤون الكنيسة الداخلية.

لقد كانت الدوناتية في البداية حركة دينية معادية للكنيسة الرسمية بأفريقيا والتي خذلت البسطاء من الناس  وارتمت في أحضان السلطة الزمنية ، وخاصة بعدما تنصرت الفئات الأرستقراطية وأصحاب النفوذ، فتحولت الكنيسة الكاثوليكية إلى حامية للمعمرين الرومان الذين زاد استغلالهم للأهالي وهذا ما أفقد الكنيسة الكاثوليكية قوة تأثيرها بعد أن كانت ملاذا للمضطهدين والمقهورين، انقسمت المسيحية إلى نحلتين إحداهما موالية للإمبراطور والأخرى معادية له.

لقد ظهرت الدوناتية كتيار ديني مسيحي مستقل، رافض لكل أنواع التعاون مع السلطة الرومانية ولأوامر الأباطرة ، مما جعل زعماء هذا التيار يتعرضون للقمع ويتحولون إلى زعماء محليين، وخاصة بعدما قام مطران قرطاج بالسعي لدى المجامع الكنسية لإدانة  “دوناتوس” في مجمع آرل Concile d’Arle، مما أعطى للدوناتيين المزيد من العزم لمواجهة السلطة الزمنية .

وبدا الدوناتيون أكثر قدرة على تجنيد صفوف النوميديين، لتتحول هذه الحركة من الانشقاق الديني إلى التحرر بعد سلسلة الاضطهادات التي مارسها دعاة الوحدة خلال سنة 347 م ولترتبط الحركة الدوناتية بأكبر انتفاضة ضد المعمرين الرومان والإقطاعيين، قادها الثوار الريفيون، أو ما يعرف بالدوارين (Circuncillias) ولترتبط بعدها بثورتي الأمير الموريفيرموس( Firmus ) سنة 372 م ثم أخيه جيلدون (Gildon) سنة 396م، قبل أن تتعرض للمحاكمة في مجمع قرطاج ليحكم عليها بتجريدها من كنائسها وممتلكاتها، ومعاقبة كل من يتعاطف  معها و ذلك في سنة 411 م .