تعد ظاهرة التغير ظاهرة طبيعية في المجتمع، انطلاقا من المقولة: “إنه ليس بوسع أي جيل أن يكون صورة متكررة لأسلافه وطرقهم بشكل مطلق، ولهذا تحدث التغيرات والتحولات الثقافية بصورة مستمرة”. ولكن الجديد هو ما داهم المجتمع في نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة مدة من عدم اليقين الحاد حول المستقبل بعد أن أخذ المجتمع يتغير بسرعة أكبر من أي وقت مضى، هذه التحولات شكلت منعطفا هاما في حياة الشعوب جعلتها تدرك شيئا فشيئا ومرحلة تلو الأخرى بأنها مقدمة على العيش في عصر تنأى تغيراته وتحولاته عن الكثير من الإدراك والإحساس. وفي هذا يقدم انتوني غدنز صورة لسرعة التغير فيقول:… وإذا ما تم حساب معدل عمر الوجود البشري بالساعات في اليوم الواحد، لقلنا أن الزراعة قد ولدت قبل منتصف الليل بأربع دقائق، والحضارات قبل منتصف الليل بثلاث دقائق، وتطورت الحضارات الحديثة قبل منتصف الليل بثلاثين ثانية، غير أن التغيرات التي طرأت على المجتمع الإنساني بشكل عام خلال الثلاثين الثانية حجما وكثافة ونوعا تعادل ما حدث في التاريخ البشري برمته. لعل الدلالة الرمزية التي يمكن استقراؤها من هذا الحديث، هو أن التغيرات والتحولات التي تتعرض لها البشرية والحضارات الإنسانية الحديثة أصبحت تسير بوتيرة سريعة جدا إلى درجة أن التغير الذي حدث خلال الثلاثين الثانية الأخيرة من عمر تطور الحضارات يعادل ما حدث في التاريخ كلية. إن من شأن هذه السرعة والجذرية التي تتميز بها أن تضع جملة من التحديات خاصة القيمية منها على الهيئات الاجتماعية المسئولة الأولى عن إنتاج والمحافظة على القيم العائلية المحلية التي تمثل الموروث المحلي و”الثوابت” مع التجاوز في الحكم على مفهوم “الثوابت” في عمومه. من وجهة نظر البعض لقد أصيب ممتص الصدمات العملاق “العائلة” بالصدمة مع التغيرات التي تحملها العولمة والثورة المعلوماتية والحداثة؛ حين بدأت تفقد المزيد من قدرتها في إنتاج القيم العائلية أمام نشوء مصادر متنوعة قوية في الاختراق تنازعها في وظيفتها هذه. إنّها الثنائية التي يظهر التأليف بينها صعب الموروث/ وما هو خارجي أو أجنبي. و السبب أن لكل مجتمع سلم تتموضع فيه القيم زمنيا في شكل هرمي يعكس تفضيلاته وفلسفته الحياتية. هذا التموضع النسبي الذي تلعب فيه العمليات الاجتماعية المحليه الدور الهام في الأصل (الثابت-نسبيا)، يقابله هيمنة أو مشاركة فعالة من طرف سوق للثقافة يفرض منتجاته عبر آليات تشكل جزء ضروريا من الحياة يحملها الحديث والمعاصر والخارجي (المتغير). نتائج هاتان العمليتان-نظريا- إما يشكل توليفة قيمية جديدة يتماشى فيها القديم (الموروث) والمعاصر (الخارجي) جنبا إلى جنب في شكل صورة للانصهار تكون مقبولة اجتماعيا ومعياريا، أو يهضم إحداهما الآخر كما وكيفا. إن الاحتمال الأخير ومهما كانت نتائجه يشكل صورة أولى ينبغي الإجابة فيها عن قدرة الأصل أو الموروث عن إيجاد إجابات في ظل العزلة أمرا مستحيل التحقق، أو يشكل صورة ثانية تكون مجتمعا حديثا تتألف مكوناته القيمية من العنصر المهيمن الذي يفرض قدرته في السيطرة والتحكم والضبط. ذهنيا يبدو هذا العنصر “القيم العائلية” كما لو أنه من حيث: عدده وتصنيفه بين مفضل ومرغوب فيه وغير مفضل ومرغوب عنه يكاد يكون موجود في أي مجتمع، ويبدو أن الاختلاف يظهر في التموضع الهرمي لها عبر محور يمتد من المرغوب فيه وينتهي عند المرغوب منه مع مراعاة الخصوصية وأولوية التفضيل التي تختلف عبر عنصر الزمن وحسب الثقافة والدين والمعتقد والأخلاق. إن هذه الاحتمالات للإجابات المقدمة وربما قد تكون أخرى، وكيفية حدوثها والوصول إليها، وما هي الصورة الأقرب فكريا وواقعيا، تحتاج إلى دراسة وتحليل عميقين في مجال يكاد يكون فيه التنظير نادرا، وتكاد تغيب فيه الرؤية العلمية الواضحة التي تشكل استراتيجيه للتعامل. وهي مبررات طرح هذا الموضوع.
| مطوية الملتقى | .... |
